المسيرة الخضراء: ملحمة شعبية سلمية غيرت خريطة المنطقة وكرست الوحدة الترابية للمغرب
المسيرة الخضراء (Green March) ليست مجرد ذكرى، بل نقطة تحول حضارية في تاريخ المغرب، في 6 نوفمبر 1975 شارك آلاف المغاربة في زحف سلمي نحو الأقاليم الجنوبية، حاملين المصاحف والأعلام، وليس السلاح، هذه الملحمة أثبتت أن الإرادة الشعبية والدبلوماسية الذكية قادران على استرجاع الحقوق دون إراقة الدماء، المقال التالي يستعرض الجذور التاريخية، الأبعاد القانونية، التخطيط اللوجستي، والآثار الجيوسياسية والتنموية التي تلاها هذا الحدث الخالد.
1. الجذور التاريخية والقانونية للقضية
مطالب المغرب التاريخية قبل المسيرة
لفهم أهمية المسيرة، يجب العودة إلى مرحلة ما بعد الاستقلال عام 1956، حيث بقيت الأقاليم الجنوبية موضوعاً مركزياً في سياسة المغرب، استرجاع طرفاية وسيدي إفني كانا محطات، وبقيت الساقية الحمراء ووادي الذهب تحت الإدارة الإسبانية، الضغط الدولي والتطورات الإقليمية فرضتا على المغرب خيارات استراتيجية بين المواجهة العسكرية أو مقاربة سلمية مدعومة بالشرعية الدولية.
رأي محكمة العدل الدولية (16 أكتوبر 1975)
- أكدت المحكمة أن الصحراء المغربية لم تكن terra nullius عند استعمارها،
- وأشارت إلى وجود روابط تاريخية وولائية لبعض القبائل مع السلاطين المغاربة.
هذا الرأي لم يعلن سيادة كاملة، لكنه أعطى سنداً قانونياً وأساساً دبلوماسياً استندت إليه القيادة المغربية في التحرك الشعبي المنظم.
2. عبقرية التخطيط والقرار
الرؤية الملكية وفلسفة السلام
"سلاحنا المصحف والشعار الأبدي هو: الله، الوطن، الملك"
القرار كان مدروساً لتفادي الاشتباك العسكري، وتحويل قوة الجماهير إلى وسيلة ضغط دبلوماسي، العدد المُعلن سيساهم في إظهار الإجماع الوطني.
الإعداد اللوجستي: تحدي الـ 350 ألف متطوع
- النقل: حشد حافلات وشاحنات وربط السكك لتسهيل التحرك.
- التغذية والرعاية الصحية: مستودعات، فرق طبية ومستشفيات ميدانية.
- التمثيل: مشاركة نسائية ومناطقية لإظهار الشمولية الوطنية.
3. التنفيذ والتفاعل الدولي
يوم الانطلاق 6 نوفمبر 1975
انطلقت القوافل صوب الحدود، وجرى اختراق رمزي لمسافة قصيرة عند الجدار الرملي، مع توجيه واضح بعدم الاشتباك، لتكون الرسالة سلمية وملزمة سياسياً.
اتفاقية مدريد (14 نوفمبر 1975)
تحت وطأة الضغط الشعبي وتغيرات المشهد الإسباني، أفضت المفاوضات إلى اتفاقية مدريد التي رتبت انتقال الإدارة، تلتها خطوات عملية لطي صفحة الاستعمار بحلول فبراير 1976.
4. الآثار والتداعيات الجيوسياسية
تحولات النزاع الإقليمي
أدت المسيرة إلى تحول القضية إلى ملف إقليمي مع نشأة جبهة البوليساريو، وارتبطت لاحقاً مواجهات مؤقتة وجدار دفاعي، لكن الإنجاز الأكبر كان تثبيت إدارة وسيادة مغربية على الأرض.
التنمية الحديثة في الأقاليم الجنوبية
- بنية تحتية تشمل طرق وموانئ كـ ميناء الداخلة الأطلسي.
- استثمارات لتحويل المنطقة إلى قطب لوجيستي واقتصادي.
- مشاريع طاقات متجددة لتعزيز التنمية المستدامة.
5. الدبلوماسية الحديثة وترسيخ مغربية الصحراء
مبادرة الحكم الذاتي (2007)
عرض المغرب مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادته كإطار سياسي لحل النزاع، لقيت اهتماماً دولياً باعتبارها حلًا عمليا يضمن إدارة محلية مع بقاء السيادة المغربية.
انتصارات دبلوماسية
- فتح قنصليات في العيون والداخلة من دول متعددة،
- تزايد الاعتراف الدولي بجدية مبادرة الحكم الذاتي.
6. المسيرة الخضراء: قصة إنسانية ورمز للتلاحم
روح التضامن
تجلت روح التضامن من التبرعات والحملات الشعبية، والمسيرة بقيت رمزاً للتلاحم بين العرش والشعب.
الاحتفال السنوي
6 نوفمبر مناسبة وطنية لإحياء الذكرى وغرس قيم الوطنية لدى الأجيال الجديدة.
أسئلة شائعة حول المسيرة الخضراء (FAQ)
ما هو تعريف المسيرة الخضراء؟
مسيرة سلمية أعلن عنها الملك الحسن الثاني في 16 أكتوبر 1975، وانطلقت فعلياً 6 نوفمبر 1975، تهدف إلى استرجاع الأقاليم الجنوبية عبر وسيلة شعبية سلمية مدعومة بالشرعية الدولية.
لماذا يحتفل المغرب بالمسيرة الخضراء؟
لأنها علامة على استكمال الوحدة الترابية، ورمز للتلاحم الوطني، ونموذج للنصر السلمي والدبلوماسي.
كم عدد المشاركين؟
العدد الرسمي هو 350,000 مشارك، وشارك النساء بنسبة ملحوظة ضمن هذا الرقم.
متى يوم المسيرة الخضراء 2025؟
تُخلَّد السنوية في 6 نوفمبر، وفي عام 2025 توافق يوم الخميس 6 نوفمبر 2025، وهي الذكرى الخمسون لانطلاق المسيرة.
الخاتمة: المسيرة الخضراء... إرث يتجدد
المسيرة الخضراء صفحة مشرقة في التاريخ الحديث، نموذج لإمكانات القوة السلمية والدبلوماسية، وإرث يتحقق اليوم عبر التنمية والبناء والدفاع عن السيادة، الصحراء المغربية اليوم ورشة تنموية تربط المغرب بإفريقيا والعالم.
